كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


هذا الحديث كالذي قبله قد مثل به من أصحابنا في الأصول إلى أن العام الوارد على سبب خاص يعتبر عمومه عند الأكثر ولا يقصر على السبب لوروده فيه فإن سبب الحديث ما تقرر من أنه سئل أنتوضأ من بئر بضاعة وهي يلقى فيها ما ذكر فقال إن الماء طهور لا ينجسه شيء أي مما ذكر وغيره وقيل مما ذكر وهو ساكت عن غيره‏.‏

- ‏(‏ه عن أبي أمامة‏)‏ ورواه الدارقطني والبيهقي بدون ولونه وظاهر عدم رمز المصنف إليه بالضعف يوهم أنه لا ضعف فيه وليس كذلك بل جزم بضعفه جمع منهم الحافظ العراقي ومغلطاي في شرح ابن ماجه نفسه فقال ضعيف لضعف رواته الذين منهم رشدين بن سعد الذي قال فيه أحمد لا يبالي عمن روى وأبو حاتم منكر الحديث وقال النسائي متروك ويحيى واه وأشار الشافعي إلى ضعفه واستغنى عنه بالإجماع‏.‏

2097 - ‏(‏إن الماء لا يجنب‏)‏ بضم أوله-أي وكسر النون ويجوز فتحها مع ضم النون‏.‏ قال النووي والأول أفصح وأشهر- أي لا ينتقل له حكم الجنابة وهو المنع من استعماله باغتسال الغير منه وحقيقته لا يصير بمثل هذا الفعل إلى حالة يجتنب فلا يستعمل وأما تفسير لا يجنب بلا ينجس فردّه ابن دقيق العبد بأنه تفسير للأعم ‏[‏ص 384‏]‏ بالأخص ويحتاج إلى دليل وأل في الماء للاستغراق خص منه المتغير بدليل وهو الإجماع أو للعهد أي الماء المعهود بالتطهر منه فإنه قال لميمونة لما اغتسلت في جفنة فجاء ليغتسل منها فقالت إني كنت جنباً-توهماً منها أن الماء صار مستعملاً وفي رواية أبي داود ونهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة قال الخطابي وجه الجمع بين الحديثين إن ثبت هذا أن النهي إنما وقع عن التطهير بفضل ما تستعمله المرأة من الماء وهو ما سال أو فضل عن أعضائها عند التطهير به دون الفضل الذي يستقر في الإناء ومن الناس من جعل النهي في ذلك على الاستحباب دون الإيجاب وكان ابن عمر رضي اللّه عنه يذهب إلى أن النهي إنما هو إذا كانت جنباً أو حائضاً فإذا كانت طاهرة فلا بأس به- وفيه حذف أي كنت جنباً حالة استعمال الماء ثم حذف منه أيضاً مقصود هذا الإخبار وهو أنه هل يمنع استعماله أم لا قال الولي العراقي‏:‏ وقوله الماء لا يجنب نكرة في سياق النفي فيعم والقياس يخصصه بالجنابة أي لا تحصل له بسبب الجنابة منع من التطهير كما مر عن الخطابي ومع ذلك لا يختص الحكم بالجنابة بل بكل حدث وخبث كذلك لأن العبرة بعموم اللفظ قال‏:‏ وقوله لا يجنب كالتصريح بالرد على من قال العلة في إفساد الماء باستعماله انتقال المنع إليه وفيه جواز العمل بالأصل وطرح الاحتمال فإنه ينبغي لمن علم حال شيء خفي على غيره بيانه له وإن عظم قيل وطهورية المستعمل وهو غير سديد إذ الاغتسال كما يحمل كونه فيها يحتمل كونه منها والدليل إذا تطرقه الاحتمال سقط به الاستدلال على أنه صرح في رواية البيهقي والدارقطني وغيرهما بأنه كان منها ونصه فضل من غسلها فضل فأراد أن يتوضأ به فقالت يا رسول اللّه إني اغتسلت منه فذكره وفيه صحة التطهير بفضل المرأة وإن حلت به وبه قال الأئمة الثلاثة وخالف أحمد وأن الشرط في الطهر الإسباغ فلا يقدر ماؤه إلا ندباً قال القشيري‏:‏ والعام لا يخص بسببه على المختار فإذا حمل لا يجنب على أنه لا يعلق به منع بسبب الجنابة دل على حل استعماله في حدث وخبث معاً وإن كان سبب الحكم طهر الحدث‏.‏

- ‏(‏د ت ه حب ك‏)‏ وصححه ‏(‏هق‏)‏ كلهم ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قال اغتسل بعض أزواج النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم في جفنة فأراد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يتوضأ منه فقالت إني كنت جنباً فذكره وقال الترمذي حسن صحيح وصححه النووي في شرح أبي داود وظاهر اقتصار المصنف على عزوه لهؤلاء أنه لم يره مخرجاً لغيرهم وهو عجب فقد خرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة وصححه والدارمي وغيرهم كلهم عن الحبر‏.‏

2098 - ‏(‏إن المؤمن‏)‏ وفي رواية إن العبد ‏(‏ليدرك بحسن الخلق‏)‏ أي ببسطة الوجه وبذل المعروف وكف الأذى ‏(‏درجة القائم الصائم‏)‏ في أشد الحر والمتهجد ليلاً وهو راقد على فراشه لأنه قد رفع عن قلبه الحجب فهو يشهد مشاهد القيامة بقلبه ويعد نفسه ضيقاً في بيته وروحه عارية في بدنه لكن لا يكون حسن الخلق محموداً في كل حال ولا الغضب مذموماً كذلك بل كل منهما محتاج إليه في حينه فمن رزق كمالاً يضع كل شيء في محله فطوبى له وإلا فليعالج نفسه ويهذبها بالرياضة فمن جبل على قلة الغضب ورزانة الطبع والرأفة فلا يجفو ولا يغلظ وعلى البذل فلا يمسك وكذا سائر الأخلاق لزيادة بعض الأمشاج من حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة على بعض فالرياضة محتاج إليها لتعديل الأخلاط فالمجبول على الرزانة وقلة الغضب عليه أن يروض نفسه على اكتساب الحركة والغضب كما كان على الطائش أن يروضها على اكتساب الحلم والرزانة فالواجب أن لا يستخف الرذائل فيميل إليها ولا يستثقل الفضائل فيحيد عنها بل يكون فيه حلم وغضب ورزانة وخفة وجد وهزل ولا يجري على طبعه وعادته‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في الأدب ‏(‏حب‏)‏ كلاهما ‏(‏عن عائشة‏)‏ ورواه عنها أيضاً البغوي في شرح السنة وغيره وعزاه المنذري إلى أبي الشيخ عن علي وضعفه‏.‏

‏[‏ص 385‏]‏ 2099 - ‏(‏إن المؤمن تخرج نفسه من بين جنبيه‏)‏ أي تزهق روحه من جسده فيموت ‏(‏وهو‏)‏ أي والحال أنه ‏(‏يحمد اللّه تعالى‏)‏ إنما حمده حال قبض أعز شيء منه لموت شهواته حالتئذ إذ هو إنما يحب الحياة بالشهوة المركبة فيه فيتلذذ بها فإذا انقطعت الشهوة وخلصت الروح من آفات النفس حمد اللّه على خلاصه من السجن‏.‏

- ‏(‏هب عن ابن عباس‏)‏ رضي اللّه عنه وفي الباب غيره‏.‏

2100 - ‏(‏أن المؤمن يضرب وجهه بالبلاء كما يضرب وجه البعير‏)‏ هذا عبارة عن كثرة إيراد أنواع المصائب وضروب المحن والفتن فضرب الوجه هنا مجاز عن ذلك، قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز ضرب على يده إذا أفسد عليه أمراً أخذ فيه‏.‏ ثم أعلم أنه تعالى إنما يصير المؤمن عرضة للبلاء لكرامته عليه لما في الابتلاء من تمحيص الذنوب ورفع الدرجات والحكيم لا يفعل شيئاً إلا لغرض صحيح وحكمة بالغة وإن غفل عنها الغافلون ولم يتوصل لإدراكها العاقلون‏.‏

- ‏(‏خط‏)‏ في ترجمة أبي القاسم الصفار ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ وفيه مجاشع بن عمرو قال الذهبي قال ابن حبان يضع ومطير الوراق أورده الذهبي في الضعفاء وقال ثقة لين‏.‏

2101 - ‏(‏إن المؤمن ينضي‏)‏ بنون ساكنة وضاد معجمة مكسورة وفي رواية لينضي ‏(‏شيطانه‏)‏ أي يهزله ويجعله نضواً أي مهزولاً لكثرة إذلاله له وجعله أسيراً تحت قهره وتصرفه ومن أعز سلطان اللّه أعزه اللّه وسلطه على عدوه وحكم عكسه عكس حكمه فظهر أن المؤمن لا يزال ينضي شيطانه ‏(‏كما ينضي أحدكم بعيره في السفر‏)‏ لأنه إذا عرض لقلبه احترز عنه بمعرفة ربه وإذا اعترض لنفسه وهي شهواته احترز بذكر اللّه فهو أبداً ينضوه فالبعير يتجشم في سفره أثقال حمولته فيصير نضواً لذلك وشيطان المؤمن يتجشم أثقال غيظه منه لما يراه من الطاعة والوفاء للّه فوقف منه بمزجر الكلب ناحية وأشار بتعبيره بينضي دون يهلك ونحوه إلى أنه لا يتخلص أحد من شيطان ما دام حساً فإنه لا يزال يجاهد القلب وينازعه والعبد لا يزال يجاهده مجاهدة لا آخر لها إلا الموت لكن المؤمن الكامل يقوي عليه ولا ينقاد له ومع ذلك لا يستغني قط عن الجهاد والمدافعة ما دام الدم يجري في بدنه فإنه ما دام حياً فأبواب الشياطين مفتوحة إلى قلبه لا تنغلق وهي الشهوة والغضب والحدة والطمع والثروة وغيرها ومهما كان الباب مفتوحاً والعدو غير عاقل لم يدفع إلا بالحراسة والمجاهدة قال رجل للحسن يا أبا سعيد أينام إبليس فتبتسم وقال لو نام لوجدنا راحة فلا خلاص للمؤمن منه لكنه بسبيل من دفعه وتضعيف قوته وذلك على قدر قوة إيمانه ومقدار إيقانه قال قيس بن الحجاج قال لي شيطان دخلت فيك وأنا مثل الجزور وأنا الآن كالعصفور، قلت ولم ذا ‏؟‏ قال أذبتني بكتاب اللّه‏.‏ وأهل التقوى لا يتعذر عليهم سدّ أبواب الشياطين وحفظها بحراسة أعني الأبواب الظاهرة والطرق الخلية التي تفضي إلي المعاصي الظاهرة وإنما يتعثرون في طرقه الغامضة‏.‏

- ‏(‏حم والحكيم‏)‏ الترمذي ‏(‏وابن أبي الدنيا‏)‏ أبو بكر ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏مكائد الشيطان‏)‏ كلهم ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الهيثمي تبعاً لشيخه الحافظ العراقي فيه ابن لهيعة وأقول فيه أيضاً سعيد بن شرجبيل وأورده الذهبي في الضعفاء وعده من المجاهيل وفي الميزان قال أبو حاتم مجهول وموسى بن وردان ضعفه ابن معين ووثقه أبو داود‏.‏

2102 - ‏(‏أن المؤمن إذا أصابه سقم‏)‏ بضم فسكون وبفتحتين أي مرض ‏(‏ثم أعفاه اللّه عنه‏)‏ أي خلصه منه بالشفاء وفي رواية ثم أعفى بالبناء للمجهول ‏(‏كان‏)‏ مرضه ‏(‏كفارة لما مضى من ذنوبه‏)‏ فيه شمول للكبائر والصغائر ‏(‏وموعظة له فيما ‏[‏ص 386‏]‏ يستقبل‏)‏ لأنه لما مرض عقل أن مرضه مسبب عن اقترافه الذنوب فأقلع عنها فكان كفارة لها فوضع المسبب الذي هو الكفارة موضع السبب الذي هو التنبيه والندم تنبيهاً على تيقظه وبعد غور إدراكه ليقابل نسبته البلادة إلى المنافق-أي النفاق في الحقيقة ويحتمل أن المراد العملي- المذكور في قوله ‏(‏وإن المنافق‏)‏ الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر ‏(‏إذا مرض ثم أعفي‏)‏ من مرضه ‏(‏كان كالبعير عقله أهله‏)‏ أي أصحابه ‏(‏ثم أرسلوه‏)‏ أي أطلقوه من عقاله ‏(‏فلم يدر لم عقلوه‏)‏ أي لأي شيء فعلوا به ذلك ‏(‏ولم يدر لم أرسلوه‏)‏ أي فهو لا يتذكر الموت ولا يتعظ بمرضه ولا يتيقظ من غفلته بشغل قلبه بحب الدنيا واستغراقه في شهوته ورسوخه فيما هو عليه من غباوة البهيمة فلا ينجع فيه سبب الموت ولا يذكر حسرة الموت فلذا شبهه بالبعير المرسل بعد القيد في كونه لا يدري فيم قيد وفيم أرسل فحقه إذا مرض عقل أن مرضه بسبب ذنوبه فإذا عوفي لم يعد فلما لم يتنبه جعل كالبهيمة ‏{‏أولئك كالأنعام بل هم أضل‏}‏ ثم إن للحديث عند مخرجه أبي داود تتمة وهي‏:‏ فقال رجل ممن حوله يا رسول اللّه وما الأسقام واللّه ما مرضت قط قال قم عنا فلست منا‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في الجنائز ‏(‏عن عامر الرام‏)‏ أخي الخضر قال محمد بن سلمة قال إني لببلادنا إذ رفعت لنا رايات وألوية فقلنا ما هذا قالوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فأتينا وهو جالس تحت شجرة قد بسط له كساء وقد اجتمع إليه أصحابه فجلست إليهم فذكر الأسقام فقال إن المؤمن إلخ وفيه زيادة ذكره البغوي في الدعوات في المصابيح قال المنذري في إسناده راو لم يسم‏.‏

2103 - ‏(‏إن المؤمن‏)‏ في رواية المسلم ‏(‏لا ينجس‏)‏ زاد الحاكم حياً ولا ميتاً-فيه رد على من قال إنه ينجس بالموت- أما الحي فإجماعاً، قال الفاكهي حتى الجنين إذا ألقته أمه وعليه رطوبة فرجها وأما الميت فعلي الصحيح عند الشافعية والمالكية انتهى، وذكر المؤمن وصف طردي فالكافر كذلك خلافاً لنعمان والمراد بنجاسة المشركين في الآية نجاسة الاعتقاد أو تجنبهم كالنجس ومفهوم الخبر متروك لمانع-وتمسك بمفهوم الحديث بعض أهل الظاهر فقال إن الكافر نجس العين وقواه بقوله تعالى ‏{‏إنما المشركون نجس‏}‏ وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة كما يجتنب النجس وحجتهم أن اللّه تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة فدل على أن الآدمي ليس نجس العين إذ لا فرق بين الرجال والنساء-

قال القاضي يمكن أن يحتج بالحديث على من قال الحدث نجاسة حكمية وإن من وجب عليه وضوء أو غسل فهو نجس حكماً‏.‏

- ‏(‏ق 4 عن أبي هريرة‏)‏ قال لقيني النبي صلى اللّه عليه وسلم وأنا جنب فأخذ بيدي فمشيت معه حتى بعد فانسللت أي مضيت بتمهل فاغتسلت ثم جئت فقال أين كنت قلت لقيتني وأنا جنب فكرهت أن أجالسك فذكره ولفظ رواية مسلم سبحان اللّه إن المؤمن لا ينجس وفيه حل مصافحة الجنب ومخالطته وطهارة عرقه وجواز تأخيره للغسل وأن يسعى في حوائجه‏.‏ ‏(‏حم د ن ه عن حذيفة‏)‏ بن اليمان ‏(‏ن عن ابن مسعود طب عن أبي موسى‏)‏ الأشعري واللفظ للبخاري‏.‏

2104 - ‏(‏إن المؤمن يجاهد بسيفه‏)‏ الكفار ‏(‏ولسانه‏)‏ الكفار وغيرهم من الملحدين والفرق الزائغة بإقامة الحجة ونصب ‏[‏ص 387‏]‏ البراهين وغير ذلك أو أراد بالجهاد باللسان هجو الكفر وأهله وهذا إلى ظاهر الأخبار أقرب، ومقصود الحديث أن المؤمن شأنه ذلك فلا ينبغي أن يقتصر على جهاد أعداء اللّه بالسنان بل يضم إليه الجهاد باللسان‏.‏

- ‏(‏حم طب عن كعب بن مالك‏)‏ قال لما نزلت ‏{‏والشعراء يتبعهم الغاوون‏}‏ أتيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقلت ما ترى في الشعر فذكره قال الهيثمي رواه أحمد بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح‏.‏

2105 - ‏(‏إن المؤمنين يشدد‏)‏ بضم أوله ‏(‏عليهم‏)‏ لفظ رواية الحاكم إن المؤمن يشدد عليه ‏(‏لأنه لا يصيب المؤمن نكبة‏)‏ بنون وكاف موحدة ‏(‏من شوكة فما فوقها ولا وجع إلا رفع اللّه له بها درجة‏)‏ في الجنة ‏(‏وحط عنه‏)‏ أي محى عنه بسببه ‏(‏خطيئة‏)‏ من خطاياه وسبق أنه لا مانع من كون الشيء الواحد رافعاً وحاطاً ومر أن النكبة ما يصيب الإنسان من المصائب والشوكة معروفة‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في الطبقات ‏(‏ك‏)‏ في الجنائز ‏(‏هب‏)‏ كلهم ‏(‏عن عائشة‏)‏ قالت طرق رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وجع فجعل يتقلب على فراشه فقلت يا رسول اللّه لو صنع هذا بعضنا لخشي أن تجد عليه فذكره قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي‏.‏

2106 - ‏(‏إن المتحابين في اللّه‏)‏ يكونون ‏(‏في ظل العرش‏)‏ يوم القيامة زاد الحاكم في روايته يوم لا ظل إلا ظله ومعلوم أن الكلام في المؤمنين‏.‏

- ‏(‏طب عن معاذ‏)‏ بن جبل ورواه الحاكم أيضاً وقال على شرطهما وقال العراقي وهو عند الترمذي عن معاذ بلفظ آخر‏.‏

2107 - ‏(‏إن المتشدقين‏)‏ بمثناة فوقية وشين معجمة أي المتوسعين في الكلام من غير احتياط وتحرز أو الذين يلوون أشداقهم به ‏(‏في النار‏)‏ أي سيكونون يوم القيامة في نار جهنم جزاء لهم بتفحصهم على ربهم وازدرائهم بخلقه أي أنهم يستحقون دخولها وقد يدركهم العفو‏.‏

- ‏(‏طب عن آبى أمامة‏)‏ قال الهيثمي فيه عفير بن معدان ضعيف‏.‏

2108 - ‏(‏إن المجالس‏)‏ أي أهلها ‏(‏ثلاثة‏)‏ أي ثلاثة أنواع ‏(‏سالم وغانم وشاجب‏)‏ بمعجمة وجيم أي هالك يقال شجب يشجب إذا هلك يعني إما سالم من الإثم وإما غانم للأجر وإما هالك آثم ذكره الزمخشري وظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بكماله والأمر بخلافه بل تتمته كما في الميزان واللسان وغيرهما فالغانم الذاكر والسالم الساكت والشاجب الذي يشغب بين الناس‏.‏

- ‏(‏حم ع حب عن أبي سعيد‏)‏ الخدري‏.‏

2109 - ‏(‏إن‏)‏ النساء ‏(‏المختلعات‏)‏ أي اللاتي يطلبن من أزواجهن الخلع ويبذلن لأجله المال بلا عذر ‏(‏والمتنزعات‏)‏ أي الجاذبات أنفسهن من أزواجهن بأن يردن قطع الوصلة بالفراق يقال نزع الشيء من يده جذبه ويحتمل أن المراد النساء اللاتي يأبين التزوج من قومهن ويؤثرن عليهن الأجانب‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ من المجاز نساء نزائع تزوجن في غير عشائرهن وعنده نزيع ونزيعة نجيب ونجيبة من غير بلادة اهـ ‏(‏هن المنافقات‏)‏ أطلق عليهن اسم النفاق لمزيد الزجر والتهويل والتحذير من الوقوع في ذلك فيكره للمرأة الخلع إلا لعذر كالشقاق وكراهتها للزوج لقبح خلق أو خلق دنيوي أو ديني أو ‏[‏ص 388‏]‏ خوف تقصيرها في بعض حقه أو قصدها سفراً أو نحو ذلك‏.‏

- ‏(‏طب عن عقبة بن عامر‏)‏ الجهني وفيه قيس بن الربيع وثقه النووي وضعفه شعبة وبقية رجاله رجال الصحيح ذكره الهيثمي‏.‏

2110 - ‏(‏إن المرء كثير بأخيه وابن عمه‏)‏ أي يتقوى بنصرتهما ويعتضد بمعونتهما فهو وإن كان قليلاً في نفسه بانفراد فإنه يكثر بأخيه وابن عمه إذا ظاهراه على الأمر وساعداه عليه فكأنه كان قليلاً حين انفراده كثيراً باجتماعه معهما وسيأتي لهذا مزيد بيان‏.‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في الطبقات ‏(‏عن عبد اللّه بن جعفر‏)‏ بن أبي طالب المشهور بالجود الخارق للأجانب والأقارب‏.‏

2111 - ‏(‏إن المرأة خلقت‏)‏ بالبناء للمفعول أي خلقها اللّه ‏(‏من ضلع‏)‏ بكسر ففتح واحد الأضلاع استعير للعوج صورة أو معنى ‏(‏لن تستقيم لك‏)‏ أيها الرجل ‏(‏على طريقة‏)‏ واحدة ‏(‏فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج‏)‏ -وبها عوج‏:‏ ضبط بالفتح وبالكسر وهو أرجح قال شيخنا قال أهل اللغة العوج بالفتح في الأجسام المرّئية وبالكسر في المعاني غير المرئية كالرأي والكلام- ليس منه بد ‏(‏وإن ذهبت تقيمها‏)‏ أي قصدت أن تسوي اعوجاجها وأخذت في الشروع في ذلك ‏(‏كسرتها‏)‏ قال في المصباح ذهب مذهب فلان قصد قصده وطريقته وذهب في الدين مذهباً رأى فيه رأياً قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز ذهب فلان مذهباً حسناً وفلان يذهب إلى قول الحنفية أي يأخذ به ثم فسر كسرها بقوله ‏(‏وكسرها‏)‏ هو ‏(‏طلاقها‏)‏ إشعاراً باستحالة تقويمها أي إن كان لا بد من الكسر فكسرها طلاقها وهذا حث على الرفق بالنساء والصبر على عوجهنّ وتحمل ضعف عقولهن وأنه لا مطمع في استقامتهنّ وفيه رمز إلى التقويم برفق بحيث لا يبالغ فيه فيكسر ولا يتركه على عوجه وإلى ذلك يشير قوله سبحانه وتعالى ‏{‏قوا أنفسكم وأهليكم ناراً‏}‏ فلا يتركها على الاعوجاج إذا تعدت ما طبعت عليه من النقص إلى تعاطي المعصية بمباشرتها أو بترك الواجب بل المراد تركها على عوجها في الأمور المباحة فقط وفيه ندب المداراة لاستمالة النفوس وتألف القلوب وسياسة النساء بأخذ العفو عنهنّ والصبر عليهنّ وأن من رام تقويمهن فاته النفع بهنّ مع أنه لا غنى له عن امرأة يسكن إليها‏.‏

قال ابن عربي‏:‏ لما خلق اللّه جسم آدم ولم يكن فيه شهوة نكاح وقد سبق في علم الحق إيجاد التناسل في هذه الدار لبقاء النوع استخرج من ضلعه القصير حواء فقصرت بذلك عن درجة الرجل ‏{‏وللرجال عليهن درجة‏}‏ فلا تلحق بهم أبداً وكانت من الضلع للانحناء الذي في الضلوع لتحنو على ولدها وزوجها فحنو الرجل عليها حنوه على نفسه لأنها جزؤه وحنوها عليه لكونها خلقت من الضلع والضلع فيه انحناء وانعطاف وعمر اللّه المحل من آدم الذي خرجت منه الشهوة إليها لئلا يبقى في الوجود خلاه فلما عمره بالهوى فلذلك حن إليها حنينه على نفسه لأنها جزء منه فحنت إليه لكونه موطنها الذي نشأت فيه فحبها حب وطنها وحبه حب نفسه فلذلك ظهر حب الرجل لها لكونها عينه وأعطيت القوة المعبر عنها بالحياء في محبة الرجل فقويت على الإخفاء وصور في ذلك الضلع جميع ما صور في جسم آدم ونفخ فيها من روحه فقامت حية ناطقة محلاً للحرث لوجود الإنبات فسكن إليها وسكنت إليه فكانت لباساً له وكان لباساً لها ‏{‏فتبارك اللّه أحسن الخالقين‏}‏‏.‏

- ‏(‏م‏)‏ في النكاح ‏(‏ت‏)‏ كلاهما ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وفي الباب غيره أيضاً‏.‏

2112 - ‏(‏إن المرأة خلقت من ضلع‏)‏ بفتح اللام وقد تسكن ‏(‏وإنك إن ترد إقامة الضلع تكسرها‏)‏ فإن ترد إقامة ‏[‏ص 389‏]‏ المرأة تكسرها وكسرها طلاقها ‏(‏فدارها تعش بها‏)‏ أي لاطفها ولاينها فإنك بذلك تبلغ ما تريده منها من الاستمتاع بها وحسن العشرة معها الذي هو أهم المعيشة وفيه إشعار بكراهة الطلاق بلا سبب شرعي والمداراة كما في المصباح وغيره الملاطفة والملاينة يقال داريته مداراة لاطفته ولاينته وعليك بالمداراة وهي الملاطفة‏.‏

- ‏(‏حم حب ك عن سمرة‏)‏ بن جندب قال الحاكم صحيح وأقروه‏.‏

2113 - ‏(‏إن المرأة تقبل في صورة شيطان‏)‏ أي في صفته شبه المرأة الجميلة بالشيطان في صفة الوسوسة والإضلال يعني أن رؤيتها تثير الشهوة وتقيم الهمة فنسبتها للشيطان لكون الشهوة من جسده وأسبابه والعقل من جند الملائكة والكل جند اللّه والعقل حزب اللّه ‏{‏ألا إن حزب اللّه هم المفلحون‏}‏ فالمراد أنها تشبه الشيطان في دعائه إلى الشر ووسوسته وتزيينه قال الطيبي‏:‏ جعل صورة الشيطان ظرفاً لإقبالها مبالغة على سبيل التجريد لأن إقبالها داع للإنسان إلى استراق النظر إليها كالشيطان الداعي للشر ‏(‏وتدبر في صورة شيطان‏)‏ لأن الطرف رائد القلب فيتعلق بها عند الإدبار أيضاً بتأمل الخصر والردف وما هنالك خص إقبالها وإدبارها مع كون رؤيتها من جميع جهاتها داعية إلى الفساد لأن الإضلال فيهما أكثر وقدم الإقبال لكونه أشد فساداً لحصول المواجهة به ‏(‏فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته‏)‏ أي استحسنها لأن غاية رؤية المتعجب منه استحسانه ‏(‏فليأت أهله‏)‏ أي فليجامع حليلته ‏(‏فإن ذلك‏)‏ أي جماعها ‏(‏يرد ما في نفسه‏)‏ بمثناة تحتية أي يعكسه ويغلبه ويقهره وقال في النهاية‏:‏ وروي بموحدة من البر وأرشدهم إلى أن أحدهم إذا تحركت شهوته واقع حليلته تسكيناً لها وجمعاً لقلبه ودفعاً لوسوسة اللعين وهذا من الطب النبوي وهذا قاله لما رأى امرأة فأعجبته فدخل على زينب رضي اللّه تعالى عنها فقضى حاجته منها وخرج فذكره قال ابن العربي‏:‏ هذا حديث غريب المعنى لأن ما جرى للمصطفى صلى اللّه عليه وسلم كان سراً لم يعلمه إلا اللّه تعالى فأذاعه عن نفسه تسلية للخلق وتعليماً وقد كان آدمياً وذا شهوة لكنه كان معصوماً عن الزلة وما جرى في خاطره حين رأى المرأة أمر لا يؤاخذ به شرعاً ولا ينقص منزلته وذلك الذي وجد نفسه من الإعجاب بالمرأة هي جبلة الآدمية ثم غلبها بالعصمة فانطفأت وقضى من الزوجة حق الإعجاب والشهوة الآدمية بالاعتصام والعفة قال ابن العربي‏:‏ وفيه رد على الصوفية الذين يرون إماتة الهمة حتى تكون المرأة عند الرجل إذا نطح فيها كجدار يضرب فيه والرهبانية ليست في هذا الدين‏.‏

- ‏(‏حم م‏)‏ كلهم في النكاح ‏(‏عن جابر‏)‏ ورواه عنه النسائي ولم يخرجه البخاري‏.‏

2114 - ‏(‏إن المرأة تنكح لدينها‏)‏ أي صلاحها ‏(‏ومالها وجمالها فعليك بذات الدين‏)‏ ولا تلتفت لدينك في جنبه لأنه الأهم الواجب التقديم ‏(‏تربت يداك‏)‏ أي افتقرتا إن لم تفعل قال الزمخشري‏:‏ من المجاز تربت يداك أي خابت وخسرت انتهى قالوا وهذه الكلمات التي جاءت عن العرب صورتها دعاء ولا يراد بها الدعاء بل الحث والتحريض وأخذ منه المالكية أن المرأة تجبر على أن تجهز بقدر صداقها وزعموا أن علياً رضي اللّه تعالى عنه قضى بذلك‏.‏

- ‏(‏حم م ت ن عن جابر‏)‏ قال تزوجت امرأة ثيباً فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فهلا بكراً تلاعبها وتلاعبك قلت إن لي أخوات فخشيت أن تدخل بيني وبينهن قال فذاك إذن ثم ذكره

2115 - ‏(‏إن المسألة‏)‏ أي الطلب من الناس أن يعطوه من أموالهم شيئاً ‏[‏ص 390‏]‏ ‏(‏لا تحل‏)‏ حلاً مستوي الطرفين وقد تجب ‏(‏إلا لأحد ثلاثة لذي دم موجع‏)‏ اسم فاعل من أوجع يعني ما يتحمله الإنسان من الدية فإن لم يتحملها وإلا قتل فيوجعه القتل ‏(‏أو لذي غرم مفظع‏)‏ بضم الميم وسكون الفاء وظاء معجمة مكسورة وعين مهملة‏:‏ شديد شنيع، والمراد به ما استدانه لنفسه وعياله ‏(‏أو لذي فقر مدقع‏)‏ بالقاف أي شديد يفضي بصاحبه إلى الدقعاء وهي اللصوق بالتراب من شدة الفقر وقيل هو سوء احتمال الفقر وهذا قاله في حجة الوداع وهو واقف بعرفة فأخذ أعرابي بطرف رداءه فسأله إياه فأعطاه ثم ذكره قال النووي‏:‏ اتفقوا على النهي عن السؤال بلا ضرورة وفي سؤال القادر على الكسب وجهان أصحهما يحرم والثاني يجوز بكراهة بشرط أن لا يلح ولا يذل نفسه زيادة على ذل السؤال ولا يؤذي فإن فقد شرط منها حرم‏.‏

- ‏(‏حم 4 عن أنس‏)‏ قال المناوي وغيره‏:‏ فيه الأخضر بن عجلان قال ابن معين صالح وقال أبو حاتم يكتب حديثه‏.‏

2116 - ‏(‏إن المسجد لا يحل‏)‏ المكث فيه ‏(‏لجنب ولا حائض‏)‏ ومثلهما النفساء فيحرم مكث كل منهم فيه عند الأئمة الأربعة ويباح عبوره وهو حجة على المزني وداود وابن المنذر في زعمهم جوازه مطلقاً أو بشرط الوضوء على الخلاف بينهم‏.‏

- ‏(‏ه عن أم سلمة‏)‏ قالت دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلا صوته فذكره‏.‏

2117 - ‏(‏إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم‏)‏ في مرضه أي زاره فيه وتعهد حاله ‏(‏لم يزل في مخرقة-بفتح الميم والراء بينهما خاء معجمة ساكنة وقيل المخرقة الطريق أي أنه على طريق يؤديه إلى طرق الجنة- الجنة‏)‏ أي بساتينها الزهية وروضاتها البهية، شبه ما يحوزه العائد من الثواب بما يحوزه المخترف من الثمر، قال شمر‏:‏ المخرقة سكة بين صفين من نخل يخترف من أيهما شاء والخريف بفتح فكسر البستان من نخل ‏(‏حتى يرجع‏)‏ أي حتى يذهب إلى العيادة ثم يعود إلى محله، وفيه إيذان بأنه كل ما كان محل المريض أبعد كانت العيادة أكثر ثواباً لكن ما يوهمه من فضل طول المكث عند المريض غير مراد كما بينته أخبار الأمر بالتخفيف وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مسلم وغيره قيل يا رسول اللّه وما مخرقة الجنة قال جناها‏.‏

- ‏(‏حم م‏)‏ في الأدب ‏(‏ت‏)‏ في الجنائز ‏(‏عن ثوبان‏)‏ ولم يخرجه البخاري ولا خرج في صحيحه عن ثوبان‏.‏

2118 - ‏(‏إن المظلومين‏)‏ في الدنيا ‏(‏هم المفلحون‏)‏ أي الفائزون ‏(‏يوم القيامة‏)‏ بالأجر الجزيل والنجاة من النار ورفع الدرجات في دار الاختيار والانتقام لهم ممن ظلمهم والأخذ بثأرهم ممن بغى عليهم‏.‏

- ‏(‏ابن أبي الدنيا‏)‏ أبو بكر ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏ذم الغضب‏)‏ له ‏(‏ورسته‏)‏ بضم الراء بضبط المصنف ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏الإيمان‏)‏ له كلاهما ‏(‏عن أبي صالح‏)‏ عبد الرحمن بن قيس تابعي جليل ‏(‏الحنفي‏)‏ بفتح الحاء والنون نسبة إلى بني حنيفة قبيلة كبيرة من ربيعة بن نزار ينسب إليها خلق كثير ‏(‏مرسلاً‏)‏‏.‏

2119 - ‏(‏إن المعروف‏)‏ قال في المصباح وهو الخير والرفق والإحسان ‏(‏لا يصلح إلا لذي دين‏)‏ بكسر الدال أي لصاحب قدم ‏[‏ص 391‏]‏ راسخ في الإسلام ‏(‏أو لذي حسب‏)‏ بفتحتين أي لصاحب مآثر حميدة ومناقب شريفة ‏(‏أو لذي حلم‏)‏ بكسر فسكون أي صاحب تثبت واحتمال وغفر وأناة، والظاهر أن مقصود الحديث أن المعروف لا يصدر إلا ممن اتصف بهذه الأوصاف أو ببعضها ويحتمل أن المراد لا يليق فعله إلا مع من اتصف بذلك بخلاف نحو فاسق ودنيء ولئيم وأحمق‏.‏

- ‏(‏طب وابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن أبي أمامة‏)‏ قال الهيثمي فيه عند الطبراني سليمان بن سلمة الجنابري وهو متروك انتهى فكان ينبغي للمصنف الإشارة لضعفه واستيعاب مخرجه إشارة إلى اكتسابه بعض القوة، إذ منهم البيهقي رواه باللفظ المزبور عن أبي أمامة وقال في إسناده من يجهل‏.‏

2120 - ‏(‏إن المعونة تأتي من اللّه للعبد على قدر المؤونة‏)‏ يريد أن العبد إذا أهمه القيام بمؤونة تلزمه مؤونته شرعاً فإن كانت تلك المؤن قليلة قلل له وإن كانت كثيرة وتحملها على قدر طاقته وقام بحقها وعاين من فنون الدنيا ما أمر به لأجلها أمده اللّه بمعونته ورزقه من حيث لا يحتسب بقدرها وعماد ذلك طلب المعونة من اللّه تعالى بصدق إخلاص فهو حينئذ مجاب فيما طلب من المعونة فمن كانت عليه مؤونة شيء فاستعان اللّه عليها جاءته المعونة على قدر المؤونة فلا يقع لمن اعتمد ذلك عجز عن مرام أبداً، وفي ذلك ندب إلى الاعتصام بحول اللّه وقوته وتوجيه الرغبات إليه بالسؤال والابتهال ونهي عن الإمساك والتقتير على العيال-أي فلا يخشى الإنسان الفقر من كثرة العيال فإن اللّه يعينه على مؤونتهم بل يندب له أن يعمل على ما فيه تكثيرهم اعتماداً على اللّه- ‏(‏وإن الصبر يأتي من اللّه‏)‏ للعبد المصاب ‏(‏على قدر المصيبة‏)‏ فإن عظمت المصيبة أفرغ اللّه عليه صبراً كثيراً لئلا يهلك جزعاً وإن خفت خفف بقدرها‏.‏ أوحى اللّه إلى داود عليه الصلاة والسلام يا داود اصبر على المؤونة تأتيك المعونة وإذا رأيت لي طالباً فكن له خادماً، والمعونة كما في الصحاح وغيره الإعانة وفي المصباح كغيره العون الظهر والاسم المعونة والمعانة أيضاً بالفتح، ووزن المعونة مفعلة بضم العين وبعضهم يجعل الميم أصلية وقيل هي فعولة وقال الزمخشري‏:‏ تقول أي العرب إذا قلت المعونة كثرت المؤونة وفي الصحاح المؤونة تهمز ولا تهمز ومانت القوم احتملت مؤونتهم وفي المصباح المؤونة الثقل وفيها لغات والمراد أن من احتاج إلى مؤونة كثيرة لكثرة عياله يفاض عليه من المعونة ما يقوم بهم ومن قلت عياله اقتصر عليه بقدر حاجياتهم‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي في النوادر ‏(‏والبزار‏)‏ في المسند ‏(‏والحاكم في‏)‏ كتاب ‏(‏الكنى‏)‏ والألقاب ‏(‏طب‏)‏ كلهم ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الهيثمي‏:‏ وفيه طارق بن عمار قال البخاري لا يتابع على حديثه وبقية رجاله ثقات وقال المنذري رواته محتج بهم في الصحيح إلا طارق بن عمار ففيه كلام قريب ولم يترك قال والحديث غريب‏.‏

2121 - ‏(‏إن المقسطين‏)‏ أي العادلين يقال قسط أي جار وهو أن يأخذ قسط غيره أي نصيبه وأقسط إذا عدل والهمزة للسلب ‏(‏عند اللّه‏)‏ عندية تعظيم وتكريم لا عندية مكان، تعالى اللّه عما يقول الظالمون ‏(‏يوم القيامة‏)‏ يوم ظهور الجزاء ومحل التجلي ‏(‏على منابر‏)‏ جمع منبر سمي منبراً لارتفاعه ‏(‏من نور‏)‏ من أجسام نورانية حقيقة أو هو كناية عن الدرجات العلية الرفيعة ‏(‏عن يمين الرحمن‏)‏ شبههم في دنوهم من اللّه وعلو منزلتهم بمن يجلس على الكراسي عن يمين ‏[‏ص 392‏]‏ الملك فإنه يكون أعظم الناس قدراً وأرفعهم منزلة ثم نزهه سبحانه عما يسبق إلى فهم من لم يقدر اللّه حق قدره من مقابلة اليمين باليسار وكشف عن حقيقة المراد بقوله ‏(‏وكلتا يديه يمين‏)‏ أي ليس فيما يضاف إلى اللّه تعالى من صفة اليدين شمال وتثنية اليدين للاستيعاب كقوله ‏{‏ثم ارجع البصر كرتين‏}‏ لبيك وسعديك والخير كله بيديك‏.‏ وقال القاضي‏:‏ إنما قال وكلتا يديه يمين دفعاً لتوهم من يتوهم أن له يميناً من جنس أيماننا التي يقابلها يسار وأن من سبق إلى التقرب إليه حتى فاز بالوصول إلى مرتبة من مراتب الزلفى من اللّه فاق غيره عن أن يفوز بمثله كالسابق إلى محل من مجلس السلطان بل جهاته وجوانبه التي يتقرب إليها العباد سواء ‏(‏الذين يعدلون‏)‏ صفة كاشفة للمقسطين أو صفة مادحة أو بدل منه أو استئناف كأنه قيل من هؤلاء الذين فازوا بالقدح المعلى قيل الذين يعدلون ‏(‏في حكمهم‏)‏ أي فيما قلدوا من خلافة أو إمارة أو قضاء ‏(‏وأهلهم‏)‏ أي وفي القيام بالواجب لأهلهم من الحقوق على أي تفسير فسر الأهل من أزواج وأولاد وأرقاء وأقارب وأصحاب أو المجموع قال البعض‏:‏ والعدل عبارة عن التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط وذلك واجب الرعاية في كل شيء ‏(‏وما ولوا‏)‏ بالتخفيف بصيغة المعلوم من الولاية كنظر على وقف أو يتيم أو صدقة، وأصله وليوا فاعل وروي ولوا بشد اللام على بناء المجهول أي جعلوا والين عليه فقدم قوله في حكمهم ليشمل من بيده أزمة الشرع ثم أردفه بالأهل لتناول كل من في مؤونته أقارب أو عيال وختم بقوله وما ولوا ليستوعب كل من تولى شيئاً من الأمور فيشمل نفسه بأن لا يضيع وقته في غير ما أمر به‏.‏